الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
فائدة:
قال شيخ الإسلام في كتاب النبوات ص 172-173 مفرقًا بين النبي والرسول: إن النبي ينبئه الله وهو ينبىء بما أنبأ الله به فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول.
وأما إذا كان إنما كان يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول.
فائدة:
قال في [مختصر الصواعق] أثناء كلامه على حديث النزول ص 381 مطبعة الإمام:
الحادي عشر: أن الخبر وقع عن نفس ذات الله تعالى لا عن غيره فإنه قال: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ، فهذا خبر عن معنى لا عن لفظ، والمخبر عنه هو مسمى هذا الاسم العظيم، فإن الخبر يكون عن اللفظ تارة وهو قليل ويكون عن مسماه ومعناه وهو الأكثر.
فإذا قلت : زيد عندك وعمرو قائم فإنما أخبرت عن الذات لا عن الاسم فقوله تعالى:
وقوله: فإن الخبر يكون عن اللفظ تارة، مثاله قول المعربين في: زيد قائم، زيد مبتدأ، وقائم خبره.
فائدة:
قال الشيخ تقي الدين ص 180 ج 12 من مجموع الفتاوى:
وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقصد الحق فأخطأ لم يكفر بل يغفر له خطؤه، ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب، ثم قد يكون فاسقًا، وقد تكون له حسنات ترجع على سيئاته، فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص فليس كل مبتدع ولا مخطئ ولا جاهل ولا ضال يكون كافرًا بل ولا فاسقًا بل ولا عاصيًا ا. هـ.
فائدة:
قال الشيخ تقي الدين 307ج 11 من مجموع الفتاوى: والمقصود هنا أن الجن مع الإنس على أحوال:
(أ) من كان يأمر الجن بما أمر الله به ورسوله ويأمر الإنس بذلك فهومن أفضل أولياء الله.
(ب) من كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في ذلك.
(ج) من كان يستعملهم فيما نهى الله عنه ورسوله كالشرك وقتل المعصوم والعدوان عليه بما دون القتل فإن استعان بهم على الكفر فهو كافر وعلى المعاصي فهو عاص إما فاسق وإما مذنب غير فاسق. ا. هـ. ملخصًا.
وقال ص 62 ج 19 من المجموع: وأما سؤال الجن وسؤال من يسألهم، فإن كان على وجه التصديق لهم في كل ما يخبرون به والتعظيم للمسؤول فحرام، وإن كان ليمتحن حاله ويختبر باطن أمره وعنده ما يميز صدقه من كذبه فهذا جائز، وذكر أدلة ذلك ثم قال: وكذلك إذا كان يسمع ما يقولونه ويخبرون به عن الجن كما يسمع المسلمون ما يقول الكفار والفجار ليعرفوا ما عندهم فيعتبروا به وكما يسمع خبر الفاسق ويتبين ويتثبت فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة، ثم ذكر أنه روي عن أبي موسى الأشعري أنه أبطأ عليه خبر عمر وكان هناك امرأة لها قرين من الجن فسأله عنه فأخبره أنه ترك عمر يسم إبل الصدقة.
وفي خبر آخر أن عمر أرسل جيشًا فقدم شخص إلى المدينة فأخبر أنهم انتصروا على عدوهم، وشاع الخبر فسأل عمر عن ذلك فذكر له فقال: هذا أبو الهيثم بريد المسلمين من الجن وسيأتي بريد الإنس بعد ذلك فجاء بعد ذلك بعدة أيام. ا. هـ.
وقال في كتاب النبوات ص 260 : والجن الذين يطيعون الإنس وتستخدمهم الإنس ثلاثة أصناف:
أعلاها أن يأمرهم بما أمر الله به ورسله. وذكر كلامًا ثم قال:
ومن الناس من يستخدم من يستخدمه من الإنس في أمور مباحة كذلك فيهم من يستخدم الجن في أمور مباحة لكن هؤلاء لا يخدمهم الإنس والجن إلا بعوض مثل أن يخدموهم كما يخدمونهمأو يعينوهم على بعض مقاصدهم، وإلا فليس أحد من الإنس والجن يفعل شيئًا إلا لغرض، والإنس والجن إذا خدموا الرجل الصالح في بعض أغراضه المباحة فإما أن يكونوا مخلصين يطلبون الأجرمن الله وإلا طلبوه منه إما دعاؤه لهم وإما نفعه لهم بجاهه أو غير ذلك.
والقسم الثالث: أن يستخدم الجن في أمور محظورة أو بأسباب محظورة وذكر أن هذا من السحر، وذكر كلامًا كثيرًا.
ثم قال ص 267: والجن المؤمنون قد يعينون المؤمنين بشيء من الخوارق كما يعين الإنس المؤمنون للمؤمنين بما يمكنهم من الإعانة ا. هـ.
فائدة:
قول السفاريني في عقيدته عند ذكر الاستواء : (قد تعالى أن يحد).
الحد لفظ مجمل يراد به تارة معنى صحيح، وأخرى معنى باطل.
ومن ثم قال الإمام أحمد: (وهو على العرش بلا حد)، ومرة أخرى قيل له ما يذكر عن ابن المبارك أنه قيل له : كيف نعرف ربنا عز وجل؟ فقال:
بأنه على عرشه بائن من خلقه بحد قال: قد بلغني ذلك عنه وأعجبه وقال: هكذا هو عندنا.
وذلك أن الحد تارة يراد به أن الله محدود يدرك العقل حده وتحيط به المخلوقات فهذا باطل.
وتارة يراد به أنه بائن من خلقه غير حال فيهم فهذا صحيح. ولذلك رد الإمام عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي في نفيه الحد وقال: إنه لا معنى لنفيك، إلا أن الله لا شيء، لأنه ما من شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حد وغاية وصفة، لكن الباري جل وعلا لا يعلم كيفية صفته إلا هو قال: فنحن نؤمن بالحد ونكل علمه إلى الله تعالى ا. هـ.
وبذلك تعرف أن نفي الحد وإثباته على وجه الإطلاق لا ينبغي على أن السلامة هي أن يقال: إن الحد لا يضاف إلى الله إطلاقًا لا على سبيل وجه النفي ولا على وجه الإثبات، لكن معناه يستفصل فيه، ويثبت الحق منه ويبطل الباطل. والله أعلم.
فائدة:
في كتاب العقل والنقل ص 60 ج2 مفرد نقلًا عن أبي حامد: وكان عبد الله بن سعيد بن كلاب يقول: هي حكاية عن الأمر فخالفه أبو الحسن الأشعري، بأن الحكاية تحتاج أن تكون مثل المحكي، ولكن هو عبارة عن الأمر القائم بالنفس.
فائدة:
سؤال الملكين يعم كل ميت، وقال بعض الحفاظ والمحققين : الذي يظهر اختصاص السؤال بمن يكون له تكليف وبه جزم غير واحد من أئمة
الشافعية ولم يستحبوا تلقينه إذًا وجزم الترمذي بأن المعلن في كفره لا يسأل، ووافقه ابن عبد البر وخالفه القرطبي وابن القيم لقوله تعالى:
فائدة:
في تاريخ الجهمية والمعتزلة نقلًا عن مجلة المنار في مواضع متعددة بطريقة مختصرة.
انقسام التجهم ص 745 مج 16 .
قال الشيخ تقي الدين: ليس الناس في التجهم على درجة واحدة بل انقسامهم في التجهم يشبه انقسامهم في التشيع، ولذلك يتستر الزنادقة بهاتين البدعتين اللتين هم أعظم أو من أعظم البدع التي حدثت في الإسلام.
فالرافضة القدماء ليسوا جهمية بل مثبتو صفات، وغالبهم يصرح بلفظ الجسم، كما أن الجهمية ليسوا رافضة بل كان الاعتزال فاشيًا فيهم، والمعتزلة ضد الرافضة وهما إلى النصب أقرب، ولكن في عهد بني بويه فشا التجهم في الرافضة والشيعة ثلاث درجات.
شرها الغالية الذين يجعلون لعلي شيئًا من الألوهية أو النبوة.
والدرجة الثانية الرافضة المعروفة كالإمامية وغيرهم يعتقدون أن عليًا الإمام الحق بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنص جلي أو خفي، ولكنه ظلم ويبغضون أبا بكر وعمر ويشتمونهما وهذا أعني بغضهما وشتمهما سيما الرافضة.
الثالثة: المفضلة يفضلون عليًا على أبي بكر وعمر، لكن يتولونهما ويعتقدون عدالتهما وإمامتهما كالزيدية وهؤلاء أقرب إلى أهل السنة منهم إلى الرافضة.
وكذلك الجهمية ثلاث درجات:
غالية: ينفون أسماء الله وصفاته، وإن سموه بشيء من أسمائه قالوا: هو مجاز فهو عندهم ليس بحي ولا عالم .. الخ، فهم لا يثبتون شيئًا ولكن يدفعون التشنيع بما يقرون به في العلانية. وقد قال أبو الحسن الأشعري: إن هؤلاء أخذوا عن إخوانهم المتفلسفة الذين زعموا أن للعالم صانعًا لم يزل ليس بعالم ولا قادر.. الخ. غير أن هؤلاء لم يظهروا المعنى فقالوا: إن الله عالم من طريق التسمية من غير أن نثبت له علمًا أو قدرة.. الخ. وهذا القول، قول القرامطة الباطنية ومن سبقهم من إخوانهم الصابئة والفلاسفة.
الدرجة الثانية: تجهم المعتزلة يقرون بالأسماء الحسنى في الجملة ويجعلون كثيرًا منها على المجاز، لكنهم ينفون صفاته وهؤلاء هم الجهمية المشهورون.
والثالثة: الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية، لكن فيهم نوع من التجهم يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة لكن يردون طائفة من أسمائه وصفاته الخبرية وغير الخبرية ويتأولونها كما تأول الأولون صفاته كلها. ومنهم من يقر بما جاء في القرآن الكريم دون الحديث ومنهم من يقر بالجميع، لكن مع نفي وتعطيل للبعض وهؤلاء إلى السنة المحضة أقرب إلى الجهمية المحضة. بيد أن متأخريهم والوا المعتزلة وقاربوهم أكثر فخالفوا أوليهم ا. هـ.
وقد أشار إلى أن كلام الشيخ هذا في التسعينية. انتهى الكلام على الجهمية.
أما الكلام على المعتزلة فيلخص فيما يلي:
1. 1. من هم المعتزلة؟
ص 749 ج 16 هي فرقة إسلامية كبيرة جدًا إذ إنه انتحلها رجال كثيرون فشيعة العراق قاطبة، والأقطار الهندية والشامية والبلاد الفارسية والزيدية في اليمن، كل هؤلاء الذين يعدون بالملايين على مذهب المعتزلة.
أما في نجد فقد انتشر مذهب السلف الأثرية، كما يوجد ذلك في طوائف من الهند وفي جماعات قليلة في العراق والحجاز والشام.
أما السواد الأعظم من البلاد الإسلامية فعلى المذهب المنسوب إلى الأشعري أي الذي تداوله المتأخرون إذ إن مذهب الأشعري بنفسه هو مذهب أحمد بن حنبل كما صرح بذلك في كتابه الإبانة.
2. 2. تلقيب المعتزلة بالجهمية ص 751 مج 16.
كان مذهب الجهمية سابقًا بزمن قريب مذهب المعتزلة غير أنهما اتفقا على أصول كبيرة في مذهبهما وهي نفي الصفات والرؤية وخلق الكلام، فصاروا كأهل المذهب الواحد وإن اختلفوا في بعض الفروع، ومن ثم أطلق أئمة الأثر (الجهمية) على المعتزلة فالإمام أحمد والبخاري في كتابيهما (الرد على الجهمية) ومن بعدهما يعنون بالجهمية المعتزلة لأنهم بهذه المسائل أشهر من الجهمية خصوصًا في المتأخرين.
وأما المتقدمون فيعنون بالجهمية الجهمية لأنها الأم السابقة لغيرها من مذاهب التأويل (أي التعطيل). كما سبق عن الشيخ تقي الدين.
قال رشيد: وبما ذكر يزول الاشتباه الذي يراه البعض من ذكر الجهمية في هذه المسائل، مع أنها في عرفهم مضافة إلى المعتزلة وذلك أن تلقيبهم بالجهمية لما وجد من موافقتهم إياهم في هذه المسائل، ومن ثم قال الشيخ تقي الدين: كل معتزلي جهمي ولا عكس، لكن جهم أشد تعطيلًا لأنه ينفي الأسماء والصفات.
فائدة:
قال ابن مفلح في الفروع: لم يبعث إليهم (أي الجن) نبي قبل نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
قلت: ويشهد له قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة).
فأما قوله تعالى، عن الجن:
والجواب أن الظاهر أنه لم يكلف بالرسالة إليهم، وإن كانوا قد يتعبدون بها والله أعلم.
فائدة:
حديث عمران بن حصين: (كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض).
وقد روى الترمذي بإسناد صححه في موضع وحسنه في آخر، والبيهقي، وأحمد وابن ماجه، ومحمد بن الصباح، من حديث أبي رزين العقيلي أنه قال: يا رسول الله أين ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟
قال:(كان الله في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء. ثم خلق العرش ثم استوى عليه). هذا لفظ البيهقي.
العماء: هو السحاب الكثيف المطبق.
قال ابن كثير في البداية والنهاية ص 8 ج 1 ما ملخصه: واختلف في أيها خلق أولًا، فقال قائلون: خلق الله القلم قبل هذه الأشياء كلها، وهو اختيار ابن جرير، وابن الجوزي وغيرهما، قال ابن جرير: وبعد القلم السحاب الرقيق.
واحتجوا بحديث عبادة بن الصامت مرفوعًا
والذي عليه الجمهور: أن العرش قبل لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا
فائدة:
أفعال العباد:
اعلم أن الناس في أفعال العباد على ثلاثة أقسام:
طرفين، ووسط.
فأما الطرفان فهما الجبرية والقدرية النفاة.
فالجبرية زعموا أن العبد مجبور على فعله مقهور لا تأثير له فيه البتة، حتى بالغ غلاتهم بأن فعل العبد هو عين فعل الله، ولا ينسب إلى العبد إلا على سبيل المجاز وأن الله يلوم العبد ويعاقبه على مالا صنع له فيه، ولا إرادة، ولا اختيار، بل هو مضطر إليه لا فرق بينه وبين حركة المرتعش.
واستدل هؤلاء بأنه قد تقرر عقلًا وشرعًا ، بأن الله خالق كل شيء ومليكه ومدبره ، لا يشذ عن هذا الأصل العظيم شيء،لا كلي ولا جزئي لا من أفعال العباد ولا غيرها. كما قال تعالى:
الخالق البارئ المصور.
وبأن العباد في ملكه وكيف يكون في ملكه مالا يريد؟!
وهذه الطائفة نبغت مقابلة للطائفة الثانية القدرية التي هي:
الطرف الثاني قالوا: إن العبد قادر على أفعاله مخترع لها على وجه الاستقلال، ولا تعلق لقدرة الله بها أصلًا.
قال ابن القيم في [شفاء العليل] ص 51: [وكلهم متفقون على أن الله غير فاعل لأفعال العباد، واختلفوا هل يوصف بأنه مخترعها، ومبدعها، وأنه قادر عليها وخالق لها فجمهورهم نفوا ذلك، ومن يقرب منهم إلى السنة أثبت كونها مقدورة لله، وأن الله قادر على أعيانها، وأن العباد أحدثوها بإقدار الله لهم على إحداثها، وليس معنى قدرة الله عليها عندهم أنه قادر على فعلها، هذا عندهم عين المحال بل قدرته عليها إقدارهم على إحداثها] ا. هـ. كلامه.
وهؤلاء استدلوا بالأدلة الدالة على أن العمل مضاف إليه، والأصل في الإضافة أنها للحقيقة، ومن المعلوم امتناع معمول واحد من عاملين على وجه الاستقلال من كل منهما.
ولأنه لو كان الله خالقًا أفعالهم لكان عقابه إياهم على المعصية ظلمًا لهم.
ولأننا نجد الفرق ضرورة بين الحركة الاختيارية، والحركة الاضطرارية، كالارتعاش وبأنه لو اعتدى شخص على بدن أو مال أو عرض ثم احتج بالقدر، وأن ذلك بغير اختيار منه، لرده جميع العقلاء.
لكن هؤلاء ألغوا جميع النصوص الدالة على أن خلق الله عام والتزموا أن يكون في ملكه مالا يريد، وغلوا في النصوص والأدلة الدالة على أن فعل العبد يضاف إليه، حيث زعموا أنه لا تعلق لإرادة الله وخلقه فيما يفعله العبد من الطاعات وغيرها، وجفوا عن النصوص الدالة على عموم خلق الله.
وأولئك غلوا في النصوص الدالة على عموم خلق الله لكل شيء وجفوا عن النصوص الدالة على أن للعبد فعلًا يضاف إليه ويقع باختياره.
ودين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي عنه، ولذلك كان أسعد الناس به هم أهل السنة والجماعة القائلون بأن الله تعالى رب كل شيء ومليكه وخالقه، لا يشذ عن هذا الأصل العظيم شيء وقد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة قبل ظهور مجوسها القدرية النفاة، وهم مع ذلك يقولون: [إن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة تضاف إليهم ويجازون عليها بالعدل والإحسان، وهذا لا ينافي أن يكون الله خالقًا لأفعالهم، فإن أفعال العباد تضاف إلى الله خلقًا وتكوينًا، وتضاف إليهم فعلًا ومباشرة، وفرق بين مخلوق الله، وبين فعله، فأفعالهم مخلوقة بائنة عنه لا تنسب إليه على أنها فعله وهي فعل العباد الموصوفين فيها حقيقة، فهي من صفاتهم العائد حكمها إليهم، والعقلاء كلهم يعلمون أن فعل الفاعل ناشئ عن قدرته وإرادته الجازمة، لا يتخلف عنها البتة، ولا يمكن وجوده مع عدمه أو عدم إحداهما، والله تعالى هو الذي خلق الآدمي بما فيه من قدرة وإرادة، وخالق السبب التام خالق للمسبب، فالرب جعل إرادة العبد وقدرته سببًا لإيجاد فعله بمنزلة إحراق النار لما وقع فيها مما يقبل الاحتراق. فإن إحراق النار يضاف إليها على وجه المباشرة، ويضاف إلى من أوقدها على أنه هو فاعل السبب.
قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل ص 130 بعد أن أطال رحمه الله في الكلام على الكسب والجبر: فالطوائف كلها متفقة على الكسب، ومختلفون في حقيقته، فالقدرية قالوا: هو إحداث العبد لفعله بقدرته ومشيئته استقلالًا، وليس للرب فيه صنع ولا هو خالق فعله ولا مكونه ولا مريد له.
وقالت الجبرية: اقتران الفعل بالقدرة الحادثة من غير أن يكون لها فيه أثر.
ثم ذكر أن الأشعري في عامة كتبه، فسر الكسب بأن يكون الفعل بقدرة محدثة، فمن وقع الفعل منه بقدرة محدثة فهو مكتسب، ومن وقع منه بقدرة قديمة فهو فاعل خالق.
وقال بعض المعتزلة: من يفعل بغير آلة ولا جارحة فهو خالق، ومن يحتاج في فعله إلى الآلات والجوارح فهو مكتسب، ثم قال: ونحن نقول: هي أفعال للعباد حقيقة ومفعولة للرب، فالفعل عندنا غير المفعول وهو إجماع من أهل السنة، فالعبد فعلها حقيقة والله خالقه وخالق ما فعل به من القدرة والإرادة وخالق فاعليته.
وسر المسألة أن العبد فاعل متفعل باعتبارين.
ثم قال ص 131: قلت: هاهنا ألفاظ، وهي فاعل، وعامل، ومكتسب، وكاسب، وصانع، ومحدث، وجاعل، ومؤثر، ومنشئ، وموجد، وخالق، وبارئ، ومصور، وقادر، ومريد.
وهذه الألفاظ ثلاثة أقسام:
قسم لم يطلق إلا على الرب، كالبارئ، والبديع، والمبدع.
وقسم لا يطلق إلا على العبد، كالكاسب، والمكتسب.
وقسم وقع إطلاقه على العبد والرب، كاسم صانع، وفاعل وعامل ومنشىء، ومريد، وقادر.
وأما الخالق المصور فإن استعملا مقيدين أطلقا على العبد، كما يقال لمن قدر في نفسه شيئًا: إنه خلقه.
وبهذا الاعتبار صح إطلاق خالق على العبد، في قوله تعالى:
قلت: ومن ذلك قوله تعالى: {وتخلقون إفكًا} وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث القدسي : إن الله قال: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي) وقوله في الحديث الآخر: يقال للمصورين: (أحيوا ما خلقتم).
هذا وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في الكتاب المذكور ص 121 - 122 عن الإسفرائيني كلامًا، قال ابن القيم بعده : قلت : مراده أي الإسفرائيني أن إطلاق لفظ الخلق لا يجوز إلا على الله وحده. ا. هـ. فتأمل ما في قوله : إطلاق لفظ الخلق فإنه يوافق كلامه هنا والله أعلم.
فائدة:
مراتب القضاء والقدر أربع: من شفاء العليل ص 29 ما ملخصه.
الأولى: علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها.
الثانية: كتابته لها قبل كونها.
الثالثة: مشيئته لها.
الرابعة: خلقه لها. ا. هـ.
فأما المرتبة الأولى: فقد اتفقت عليها جميع الرسل من أولهم إلى خاتمهم، وهذه المرتبة كان ينكرها طائفتان:
الأولى: من ينفي علمه بالجزئيات، وهم الفلاسفة.
الثانية: غلاة القدرية الذين قالوا: إن الله لا يعلم أعمال العباد حتى يعملوها، ولم يكتبها أو يقدرها فضلًا عن أن يخلقها.
المرتبة الثانية: مرتبة الكتابة، وهي أن الله كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وهذه المرتبة هي مرتبة التقدير والتقادير خمسة أنواع:
النوع الأول: التقدير العام، وهو المكتوب في اللوح المحفوظ الذي كان قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء قال شيخ الإسلام رحمه الله: علم الله تعالى السابق ثابت لا يتغير وأما الصحف التي بأيدي الملائكة فيلحقها المحو والإثبات وأما اللوح المحفوظ فهل يلحقه ذلك؟ على قولين:
النوع الثاني: تقدير أرزاق العباد وآجالهم وأعمالهم قبل أن يخلقهم.
النوع الثالث: تقدير ما ذكر على الجنين في بطن أمه.
قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل ص 22: فاجتمعت هذه الأحاديث والآثار على تقدير رزق العبد وأجله وشقاوته وسعادته، وهو في بطن أمه، واختلفت في وقت هذا ففي حديث ابن مسعود أنه بعد مائة وعشرين يومًا من حصول النطفة في الرحم وحديث أنس غير مؤقت وحديث حذيفة بن أسيد وقِّت فيه التقدير بأربعين يومًا ، وفي لفظ بأربعين ليلة، وفي لفظ باثنتين وأربعين ليلة، وفي لفظ بثلاث وأربعين ليلة. وهو حديث تفرد به مسلم.
ثم قال في وجه الجمع بينهما: إن هناك تقديرين:
أحدهما: سابق لنفخ الروح وهو المتعلق بشأن النطفة إذا بدأت بالتخليق وهو العلق.
والثاني: حين نفخ الروح: وهو المتعلق بشأنها حين تتعلق بالجسد.
أي فصار التقدير معلقًا بمبدأ الجسد ومبدأ الروح.
النوع الرابع: التقدير السنوي ، وهو ما يكون ليلة القدر.
النوع الخامس: التقدير اليومي.
فالتقديرات خمسة: يومي، وحولي، وعمري، عند تعلق النفس بالبدن وعند تخليقه، وتقدير قبل وجود ابن آدم بعد خلق السموات والأرض، وتقدير قبل خلق السموات والأرض، وكل هذه تفاصيل للتقدير السابق.
المرتبة الثالثة: مرتبة المشيئة، وهي عموم مشيئة الله تعالى.
وقد نفى المشيئة إطلاقًا طوائف من الفلاسفة وأتباعهم، ونفاها القدرية المعتزلة بالنسبة إلى أفعال العباد فقط.
المرتبة الرابعة: مرتبة الخلق وهي عموم خلق الله لكل ما سواه، وقد سبق الكلام عليها.
فائدة:
الرضا بالقضاء الذي هو وصف الله وفعله واجب مطلقًا، لأنه من تمام الرضا بالله ربًا.
وأما القضاء الذي هو المقضي فالرضا به مختلف.
فإن كان المقضي دينيًا وجب الرضا به مطلقًا.
وإن كان كونيًا فإما أن يكون نعمًا أو نقمًا أو طاعات أو معاصي.
فالنعم يجب الرضا بها لأنه من تمام شكرها، وشكرها واجب.
وأما النقم كالفقر والمرض ونحوهما، فالرضا بها مستحب عند الجمهور وقيل بوجوبه.
وأما الطاعات فالرضا بها طاعة واجبة إن كانت الطاعة واجبة ومستحبةإن كانت مستحبة . وأما المعاصي فالرضا بها معصية،والمكروهات الرضا بها مكروه،والمباحات مباح والله أعلم.
فائدة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه أقوم ما قيل ص 141 من القسم الثالث من مجموعة رسائله قال:
ومن توهم منهم أي من القدرية أو من نقل عنهم أن الطاعة من الله والمعصية من العبد فهو جاهل بمذهبهم، فإن هذا لم يقله أحد من علماء القدرية ولا يمكن أن يقوله فإن أصل قولهم أن فعل العبد للطاعة كفعله للمعصية كلتاهما فعله بقدرة تحصل له من غير أن يخصه بإرادة خلقها فيه، فإذا احتجوا بهذه الآية على مذهبهم كانوا جاهلين بمذهبهم ويعني بالآية قوله تعالى:
ورأيت في تفسير ابن كثير رحمه الله ص 267 ج 4 عند قوله تعالى:
فائدة:
قال الشيخ تقي الدين في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ص 96 ج 4 : والناس في المعاد على أربعة أقوال:
أحدها إثبات معاد الروح والبدن وهو مذهب المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
الثاني أن المعاد للأبدان فقط قاله كثير من المتكلمين من الجهمية والمعتزلة وغيرهم.
الثالث أن المعاد للروح وحدها وهو قول الفلاسفة المشركين لم يقله أحد من أهل الملل لا المسلمون ولا اليهود ولا النصارى، فإنهم كلهم متفقون على إعادة الأبدان وعلى القيامة الكبرى، وأهل هذا القول منهم من يقول بأن الأرواح تتناسخ إما في أبدان الآدميين أو أبدان الحيوان مطلقًا أو في جميع الأجسام النامية أو أن التناسخ في الأنفس الشقية فقط، وكثير من محققيهم ينكر التناسخ.
القول الرابع إنكار المعادين جميعًا كما قاله أهل الكفر من العرب واليونان والهند والترك وغيرهم.
فائدة:
قال الشيخ تقي الدين في الجزء الأول من الرسائل ص 59:
وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة أو الإجماع يقال: هي كفر قولًا يطلق كما دل على ذلك الدليل الشرعي، فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر، حتى يثبت في حقه شروط التكفير، وتنتفي موانعه. مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال لقرب عهده بالإسلام أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلامًا أنكره ولم يعتقد أنه من أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ذلك وكما كان الصحابة يشكون في أشياء مثل رؤية الله وغير ذلك، حتى يسألوا عن ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومثل الذي قال: إذا أنا مت فاسحقوني وذروني في اليم لعلي أضل عن الله تعالى ونحو ذلك.
فإنهم لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة، كما قال تعالى:
فائدة:
وجدت في مجلة التمدن الإسلامي الصادرة في رمضان سنة 1378هـ 756 تحت عنوان: (سد يأجوج ومأجوج) ما نصه:
توجد في العتبة الواقعة بين بحر الخزر والبحر الأسود سلسلة جبال توقان، كأنها جدار طبيعي وقد سد هذا الجدار الجبلي الطريق الموصلة بين الشمال والجنوب إلا طريقًا واحدًا بقي مفتوحًا، هو مضيق دار بال، بين ولايتي كيوكز وتفليس حيث يوجد الآن جدار حديدي من قديم الأزمان.
ا. هـ. وذكر أنه منقول من كتاب شخصية ذي القرنين من منشورات دار البصري في بغداد.
فائدة:
الأنبياء المذكورون في القرآن الكريم هم المذكورون في الأبيات، وهم خمسة وعشرون نبيًا.
وعد ذي الكفل منهم، فيه خلاف مشهور بين العلماء، فقيل : رجل صالح وقيل : نبي، وتوقف ابن جرير في ذلك والله أعلم.
فائدة:
إن قيل : ما الفائدة في قص إهلاك الأمم علينا مع أن هذه الأمة لن تهلك كما هلكوا على سبيل العموم؟
فالجواب أن لذلك فائدتين:
إحداهما: بيان نعمة الله علينا برفع العذاب العام عنا وأننا مستحقون لذلك لولا منة الله.
الثاني: أن مثل عذابهم قد يكون لمن عمل عملهم في يوم القيامة إذا لم تحصل العقوبة في الدنيا، ولعله يفهم من قوله تعالى:
فائدة:
لسوء التصرف سببان:
أحدهما: نقص العلم وهو الجهل.
والثاني: نقص الحكمة وهو السفه المنافي للرشد.
ولذلك وصف الله نفسه بالحكمة والخبرة في قوله تعالى:
فائدة:
من المنتقى في باب ما جاء في الأجرة على القرب عن خارجة بن الصلت عن عمه أنه أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم أقبل راجعًا من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله: إنا قد حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير فهل عندك شيء نداويه؟ قال: فرقيته بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام كل يوم مرتين فبرأ فأعطوني مائتي شاة، فأتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبرته فقال: (خذها فلعمري من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق) رواه أحمد وأبو داود، قال في نيل الأوطار : رجاله رجال الصحيح إلا خارجة المذكور وقد وثقه ابن حبان ا. هـ.
قلت وفيه دليل على جواز قول الرجل : لعمري.
فائدة:
روى مسلم عن عطاء عن جابر في صلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ العيد وأنه أتى النساء فوعظهن، فقيل لعطاء : أحقًا على الإمام الآن أن يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن؟ قال: أي لعمري إن ذلك لحق عليهم، وما لهم لا يفعلون ذلك؟ ذكره مسلم في صلاة العيدين.
ففيه إفراد النساء بالموعظة وجواز قول : لعمري على رأي عطاء رحمه الله.
فائدة:
في صحيح مسلم ص 197 ج 5: أن نجدة كتب لابن عباس يسأله عن خمس خلال هل كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتي ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟ فقال ابن عباس لولا أن أكتم علمًا ما كتبت إليه، فكتب إليه، كتبت تسألني هل كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة. وأما بسهم فلم يضرب لهن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يقتل الصبيان فلا تقتل الصبيان. وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم؟ فلعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم. وكتبت تسألني عن الخمس لمن هو ؟ وإنا كنا نقول : هو لنا فأبى علينا قومنا ذاك ا. هـ. فيه دليل على جواز قول لعمري.
فائدة:
إذا أضاف الإنسان الشيء إلى سببه الصحيح المعلوم من غير واو العطف الدالة على التشريك فلا بأس به.
ويدل عليه ما رواه البخاري: أن العباس بن عبد المطلب، قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ما أغنيت عن عمل أبي طالب فإنه كان يحوطك ويغضب لك. قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ورواه مسلم بهذا اللفظ.
|